|
|||||||||||||||||||||
|
|
||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() |
|||||||||||||||||||||
|
تحدي الشرعية و الديمقراطية وحقوق الإنسان أمام كريستوفر روس
15/01/2009 نشرت جريدة صوت الأحرار الجزائرية اليوم موضوعا تحليليا مطولا تحت عنوان تحديات الديمقراطية وحقوق الإنسان أمام كريستوفر روس في الصحراء الغربية للسيد أبي بشرايا سفير بلادنا بنيجيريا ، الموضوع تناول بالتحليل أبرز التحديات المطروحة في وجه المبعوث الأممي الجديد ..... نص الموضوع : بعد انتظار دام ثلاثة أشهر، يعلن المغرب أخيرا موافقته على قرار الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين الدبلوماسي الأمريكي، كريستوفر روس، مبعوثا شخصيا جديدا له في الصحراء الغربية، خلفا للهولندي بيتر فان فالسوم الذي انتهت مهمته دون إحراز تقدم جوهري في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1745، بالرغم من تنظيم أربع جولات للمفاوضات المباشرة في "مانهاست". تأخر الطرف المغربي في إعلان الموافقة على المبعوث الشخصي الجديد ليس سوى تكتيكا مكشوفا هدفه الممانعة النظرية من أجل تقديم القبول كما لو كان "تنازلا كبيرا"، تنتظر الرباط مقابلا له خلال المسار التفاوضي في مرحلته الجديدة. ذلك المقابل الذي يطمح المغرب للحصول عليه من السفير روس، هو أن يشرع في رعاية المفاوضات من حيث يكون قد انتهى السيد فالسوم كما يتصور المغرب، أي إقرار المقترح المغربي كقاعدة وحيدة للتفاوض. هنا، يُظهرُ الطرف المغربي قصورا فاضحا في تقييم نتائج الجولات الأربع الماضية، التي انتهت بوضوح إلى أفول سريع ل"بريق سكوب" المقترح المغربي وإعلان استحالة تطبيقه، لكونه يتعارض جوهريا مع قرارات مجلس الأمن الدولي، ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بتمكين الشعوب المستعمرة من حقها الثابت في تقرير المصير. هذا التناقض الجوهري بين الطرح المغربي وقرارات مجلس الأمن الدولي هو أكبر خلاصة انتهت إليها الجولات الأربع الماضية من المفاوضات، وهو ما يجعل المبعوث الشخصي الجديد، كيما يقوم بمهمته وفق روح ونص القرارات الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، مطالب برفع تحديين كبيرين؛ أولهما يتعلق بالشرعية الدولية والممارسة الديمقراطية، والثاني يتعلق بإشكالية مراقبة حقوق الإنسان في الإقليم، التي أصبحت الآن ملحة أكثر من أي وقت مضى. أولا: تحدي الشرعية والديمقراطية: دون الدخول في تفاصيل البعدين التاريخي والقانوني المعروفين للجميع، يتفق المجتمع الدولي على أن النزاع على الصحراء الغربية هو قضية تصفية استعمار، أكدت الأمم المتحدة منذ منتصف الستينات إلى يومنا هذا، على ضرورة تسويته عن طريق تنظيم استفتاء تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية بكل حرية وشفافية. فالصحراء الغربية مسجلة لدى الأمم المتحدة كإقليم غير محكوم ذاتيا NON SELF-GOVERNERING TERRITORY و"حق تقرير المصير" بالنسبة للشعب الصحراوي هو حجر الزاوية والمبدأ المقدس بالنسبة للقانون والشرعية الدولية من أجل تحديد الوضع القانوني النهائي للإقليم، وهو ما تم التأكيد عليه خلال كل قرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة، بالرغم من مساعي المغرب المحمومة لإسقاطه. وذلك هو التحدي الماثل الآن أمام كريستفور روس، الذي يستلم الملف ويستلم معه تجربة الوسيط الأممي السابق، الذي أراد ليً عنق الشرعية الدولية لمصلحة قراءته المحدودة للواقع على الأرض، حيث ابتعد عن موقعه الطبيعي بأن يكون على نفس المسافة الملمترية من الطرفين، ليرتمي في حضن المقاربة المغربية عن طريق تبني الطرح المغربي من خلال إعلان "الاستقلال خيارا غير واقعي". لقد كانت استقالة فالسوم إعلانا صريح عن فشل مقاربته حين حاول القفز على حقيقة أن الشعب الصحراوي هو من يملك التفويض الوحيد لاتخاذ القرار النهائي فيما يتعلق بموضوع السيادة على الصحراء الغربية، كما تنص على ذلك جميع قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. المقترح المغربي الخاص بمنح حكم ذاتي للإقليم، يفترض العكس بمحاولة حسمه مشكل السيادة لصالح المغرب بشكل سابق للتفاوض وسابق لتقرير المصير، ويفرغ، بالتالي، العملية من جوهرها ويطلب من الأمم المتحدة أن تمارس دور "قاضي الزور" للتوقيع على ملكية الأرض، بعيدا عن إرادة الشعب الصحراوي، الذي هو المالك الحقيقي وصاحب القرار النهائي فيما يتعلق بالسيادة، كما سبقت الإشارة إليه. والمقترح المغربي، إذ يدخل في تناقض جوهري مع قرارات مجلس الأمن الدولي، يخلط كذلك بين القضايا الإجرائية المتعلقة بتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير وبين مبدأ تقرير المصير في حد ذاته. فالمغرب والبوليساريو، تحت رعاية الأمم المتحدة، مطالبان بالتفاوض والاتفاق على الصيغ الإجرائية المتعلقة بالبحث عن آليات تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، لكن مبدأ تقرير المصير الذي يتمكن الشعب من خلاله، بكل حرية وديمقراطية وشفافية، من اتخاذ القرار السيد فيما يخص السيادة على الإقليم، يبقى خارج التفاوض، لأن أيا من الطرفين، لا يملك حق اتخاذ القرار مكان الشعب الصحراوي في ما يتعلق بالسيادة على الإقليم. اللبس الكبير، الذي أدى في النهاية بفالسوم إلى الانزلاق، هو تقديم المغرب لخيار استفتاء تقرير المصير كما لو كان طرحا خاصا بالبوليساريو بمعزل عن تاريخ النزاع وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. والحقيقة أنه موجود في أدبيات الأمم المتحدة منذ إنشاء لجنة تصفية الاستعمار الأممية سنوات عديدة قبل تأسيس البوليساريو، باعتباره الأسلوب الأنجع والحل الوسط الديمقراطي لحل إشكاليات السيادة في جميع المستعمرات خلال القرن الماضي. وهو، من الناحية السياسية، كان وما يزال الحل الوسط الوحيد والممكن بين طرحين متناقضين. فالمغرب، كان قد أعلن "الملف مغلقا" وأعلن بأن "الصحراء مغربية أحب من أحب وكره من كره" نهاية 1975. والبوليساريو، أعلنت الجمهورية الصحراوية دولة مستقلة كاملة السيادة على التراب الصحراوي بعد انسحاب آخر جندي اسباني من الإقليم فبراير 1976. وقبول مبدأ الاستفتاء بعد صدام دامي بين الطرحين، كان يتطلب من الطرفين التعايش مع احتمال أن يكون طرحه الأصلي خاطئا في حالة ما اختار الشعب الصحراوي طرح الطرف الآخر. لكن المشكل، هو الانتقال المفاجئ للمغرب من وصفه الاستفتاء ب"التأكيدي لمغربية الصحراء" (1991 – 2000) الى رفضه وتقديمه للعالم بأن هذا الاستفتاء، إن نظم، سيكون مرادفا بالضرورة لاستقلال الصحراء الغربية (موقف الجبهة)، و ذلك من أجل تبرير تقديمه الآن "الحكم الذاتي" كمقترح مقابل (موقف المغرب). وهنا يُفصح المغرب عن تناقض وارتباك شديد في تسيير الملف، لأن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم يعد الاستفتاء مرادفا للانضمام للمغرب بالضرورة؟ فاستفتاء تقرير المصير، يعطي الفرصة بالتساوي أمام الصحراويين تحت الاحتلال وفي الملاجئ من أجل الاختيار ديمقراطيا بين الطرحين. ومع مرور الوقت، برهنت البوليساريو وخلال كل مراحل التسوية المتعثرة عن إرادة طيبة ونية حسنة في إطار التفاوض الإجرائي حول سبل ضمان تقرير المصير، قادتها إلى إعطاء تنازلات مؤلمة من الناحية الإجرائية، خاصة بعد الموافقة على مخطط بيكر (يوليوز 2003) والقاضي بقبول حكم ذاتي لمدة 5 سنوات قبل تنظيم استفتاء، أضيف إليه، بالإضافة إلى الاستقلال أو الانضمام، الاستمرار في الحكم الذاتي كخيار ثالث أمام المصوتين، ويشارك فيه عدد معتبر من المستوطنين المغاربة. وبدلا من أن يثمن المغرب تلك التنازلات ويشرف التزاماته الدولية والأخلاقية أمام الشعب الصحراوي ويمضي قدما في رفع تحدي التصويت الديمقراطي عن طريق استغلال فترة الخمس سنوات التي يقترحها مخطط بيكر كفترة حملة انتخابية مفتوحة لإقناع الصحراويين بأهمية التصويت للانضمام للمغرب، راح يوصد الأبواب تدريجيا أمام الاستشارة الديمقراطية، ويلغي حق تقرير المصير عن طريق شطب كل هامش للاختيار أمام الشعب الصحراوي، وتقديم مقترح "الحكم الذاتي" تصورا واحدا ووحيدا أمام الصحراويين، وهو ما يشكل تناقضا صارخا في الجوهر مع نص وروح جميع قرارات مجلس الأمن الدولي. وعليه، فان منهجية البحث الجاد عن مخرج للانسداد الحالي، تقتضي التزام الوسيط الأممي، منذ البداية، بالمهمة الموكلة إليه من طرف مجلس الأمن الدولي، وهي: البحث في السبل الإجرائية التوفيقية بين الطرفين لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير، ووضع مبدأ تقرير المصير وحرية الاختيار أمام الشعب الصحراوي في مكانها الطبيعي، أي خارج التفاوض والمساومة، بالنظر إلى جملة الاعتبارات السابقة، ولكن تحديدا، لأن تلك هي إرادة مجلس الأمن الدولي. إن عدم الفصل بين ما هو إجرائي (صيغ ضمان تقرير المصير = موضوع التفاوض)، وما هو مبدئي (مبدأ حق تقرير المصير = خارج التفاوض)، قاد فالسوم إلى المنزلق، وجعل من الجولات الأربع الماضية "حوار طرشان" بامتياز. ثانيا: تحدي حقوق الإنسان: وهو التحدي الذي رافق النزاع منذ بدايته، وكان أكثر التداعيات مأساوية لقرار إجهاض مسار تصفية الاستعمار ومصادرة حق الشعب الصحراوي نهاية سنة 1975. وكانت نتيجته، إلى غاية وقف اطلاق النار، آلاف الصحراويين ممن تعرضوا للتعذيب والاختطاف والقتل في سجون ومخابئ الشرطة المغربية. بيد أن وجود بعثة الأمم المتحدة في الإقليم منذ سنة 1991 كان قد أعطى أملا كبيرا للمدنيين الصحراويين بقرب طي صفحة معاناتهم اليومية مع قمع قوات الأمن المغربية، وهو أمل سرعان ما تبدد، لما وقفت البعثة الأممية مكتوفة الأيدي أمام الانتهاكات الخطيرة والممنهجة لحقوق المدنيين الصحراويين الطبيعية في التعبير عن آرائهم بصورة سلمية، بحجة وجود مراقبة حقوق الإنسان خارج مأمورية وصلاحيات البعثة. إلا أن تسارع وتيرة الانتفاضة السلمية في المدن المحتلة من الصحراء الغربية منذ ماي 2005، وما نجم عنه من قمع، وصل في مناسبات عديدة درجة التصفية الجسدية، وطرد لوفود وهيئات المجتمع الدولي، يجعل من حجة كتلك ذرا للرماد في الأعين، وتعبيرا عن عجز يلامس حدود التواطؤ. إذ ليس ثمة من يستطيع القبول بشكل دائم بأن يُعذَب المدنيون الصحراويون على بعد أمتار فقط من مبنى "المينورسو" في العيون. ولم يعد من المعقول انتظار التسوية السياسية للملف من أجل حل مشكل حقوق الإنسان، أمام تصاعد وتيرة الانتهاكات، التي قد تقود التسوية برمتها إلى المنزلق الذي ينبغي تجنبه. إن الطرف الصحراوي وهو يطرح الموضوع بإلحاح أكثر من أي وقت مضى، لا يطلب من المبعوث الشخصي الجديد، سوى العمل بتوصيات تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة OHCHR (يونيو 2006)، وتقرير هيومان رايتس ووتش HUMAN RIGHTS WATCH (ديسمبر 2008)، خاصة ما يتعلق منها بالضرورة الملحة لإيجاد الميكانيزمات الكفيلة، على مستوى المينورسو، من أجل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. وحين نقول الصحراء الغربية، فنحن نعني الجزء المحتل من جهة، والأراضي المحررة ومخيمات اللاجئين من جهة أخرى. ولقد أعربنا في البوليساريو، أكثر من مرة، عن استعدادنا المطلق لتسهيل مأمورية المينورسو في مراقبة حقوق الإنسان في المناطق الواقعة تحت سيطرتنا، بدون أي شروط مسبقة. والسؤال المطروح هنا، مثلما هو الحال مع الاستفتاء: لماذا يعارض المغرب مراقبة المينورسو لحقوق الإنسان لدى الطرفين؟ ولماذا سيؤدي إجراء كذلك، بالضرورة، إلى إدانة المغرب وليس العكس؟ ههنا، يبدو من الواضح جدا، والمبعوث الشخصي الجديد يستعد لتولي مهام إخراج النزاع من الانسداد الحالي، أن سبب المأزق هو معارضة المغرب لمبدأين هما أرقى ما توصلت إليه الإنسانية في رحلتها الطويلة والمؤلمة من اجل تأسيس عالم أفضل. الأول؛ هو مبدأ الشرعية والممارسة الديمقراطية من خلال مسعى الرباط لمصادرة حق الشعب الصحراوي في الاختيار الحر واتخاذ القرار مكانه من خلال محاولة فرض مقترح الحكم الذاتي الذي يعطي للمغرب السيادة على بلد دون موافقة شعبه. والثاني؛ هو مبدأ حقوق الإنسان ومطلب الشفافية في التعامل معها، من خلال "الفيتو" القاسي الذي يضعه حليف الرباط الرئيس، النظام الفرنسي، أمام كل مجهود دولي لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. وما لم يتلق المغرب الرسالة والإشارة الصحيحة والحازمة في أن القانون الدولي والشرعية وثقافة العالم المتحضر وحتى أبسط مقتضيات الحس العام، تتطلب ـ بالضرورة ـ تسوية النزاع باحترام هذين المبدأين، فان السلام سيبقى مؤجلا، والواقع ينتج، يوما يعد يوم، أسباب الانزلاق أكثر من أسباب التسوية العادلة والنهائية. |
|